بونعمان ــ شتلة المراعي
(1) شتلة المراعي
استيقظت ذات صباح باكرا ، كغير عادتها ، تتفجر البسمة من فيها الصغير الذي يرقب كيف تنبت الأسنان على الفك الفتي ؛ أحست بدفء يعلو خدها الصغير ويغير من حمرته ، تسللت إلى المرآة في خفية ممن حول ، زاحمت شقيقها الذي يتهيأ للذهاب إلى المدرسة ، لكنها لم تفلح في إزاحته بعيدا عنها .
حين نادتها أمها خببت الخطو كالبرق نحوها ، وهي تطأطئ القنة الصغيرة ، وعيناها تتشوف إلى وجه أمها ، لم تلحظ علامة ما عليها ، انتصبت ،لعلها تسمع أمراً جديدا لم تألفه من قبل ، نظرت إليها أمها نظرة حنان ، فقد كانت تتطلع إلى أن يحقق الأب حلم ابنته ، وألا تحرم من الذهاب إلى الذهاب إلى ذالك البرج السحري الذي حرمت منه من قبل .
حدجت البنت خفية متطلعة إلى أمها ، أحست بشيء دافئ يمر على منديل رأسها الصغير ، دفء سريعا ما تحول إلى جبل من الجليد يشق سمعها ، حين سمعت صوتا أجشا يرن في سرداب أذنها المفضي إلى جزيرة قلبها الذي لا يفتر عن النبض ، فيوقظ شتلات الحلم ، لعلها تروى من طل طالما شافَتْه يُزَين وجه شقيقها ، وهو يذاكر دروسه أمامها حين كانا يغدوان من مسرحهما اليومي
ــ وأنت . . . ،عليكِ ألاَّ تغفلي عن القطيع ، ولا تعمدي العودة به والشمس لم تتوارى خلف الجبل .
همهمت بسرية خانقة ، وقبلت يمين أبيها ، وهرولت بخطى تكاد تسقطها أرضا ، فكانت كلما اقتربت من الحوش يشط بها القطيع عن مقعد في المدرسة بعيدا عن الحلم الذي تنشده .
غادرت الحوش يسحبها القطيع ، ومحفظة أخيها المهترئة وقد حشتها لقليل من التين الخبز وجرة ماء صغيرة ؛ حتي إذا ما أحست بالنصب ، أوت إلى ظل شجرة لا يكاد يحمي جسدها النحيل من أشعة الشمس ورماد القيظ في أواخر الصيف .
وحين كانت تستلم لغفلة من وسن طفيف ، كان جروها يبقى الحارس الأمين من كل طارئ ، لكنه كان ينبح أمام أذنيها بنبح سري ، يجعلها تنتفض وكأنما شيئا ما قرص جلدها الفتي .
تظل على حالها هذا ، حتى إذا ما أحست بأنامل الشمس تلاعبها بملامسها الشبمة ، انتصبت ونادت على جروها ، كي يساعدها في لملمة القطيع واصطفافه أمامها ، كما يفعل الأطفال أقرنها في وقتي الدخول والغدو ، فتعود إلى الحوش والبيت ، وهي تراقص خمائل الأصيل قبل أن تختفي وراء الجبل ، كما يختفي حلمها خلف عناد الأب .
وحين كانت تأوي إلى فراشها الحصير ، سرعان ما كانت تستسلم لحصار النعاس ، وهي تغالب جحافله ، لعلها تسترق ما يمكن أن يسر به أبوها إلى أمها وهما في صوفية وجدانية ، لكن غلبة النعاس كان يأخذها إلى سحيق غوره ودهاليزه دون أن تلتقط ما تطمئن له وتنام بدون كوابيس كثيرا ما كانت تنغص نعاسها .
الدار البيضاء 03 /06 /2015
__________________
لسنا وإن أحسابنا كرمت 0 0 يوما على الأحساب نتكل
نبني كما كانت أوائلنا 0 0 تبني ، ونفعل مثل ما فعلوا
|